لا يمر يوم في سوريا إلا ويحدث جديد، وكل دول العالم في حالة متابعة لما يجري على الأرض السورية، وتخضع قرارات وتصرفات حكام دمشق، للتدقيق من أجل بناء تقدير مواقف تراعي مصالح كل دولة، ومعالجة أي تخوفات حاليًا ومستقبلاً، دون مواربة أو مجاملة وبشكل مباشر.
هذا ما يلمسه الجميع من تصريحات وتصرفات دول مثل أمريكا، وفرنسا، وألمانيا، خلال الفترة الأخيرة، ردا على قرارات إدارة الحكم في سوريا تحت اشراف أحمد الشرع والمعروف سابقا بـ "أبو محمد الجولاني"، ومن معه، بتعيين عدد من جنسيات مختلفة في قيادة الجيش السوري، بعد تدمير الكيان الصهيوني لمختلف مقوماته، في لحظة فراغ وغياب عربي وإقليمي وعالمي، في بعض منه مُتعمد.
وللأسف وكالعادة نحن العرب دائمًا غائبون عما يحدث في دولة عربية، ويتأخر تحركنا، ومازالت أمام سوريا فترات طويلة حتى تستقر أوضاعها، مع أمنيات الجميع أن تسلم من أي أضرار وخروقات بفعل خارجي، قبل أن يكون داخليا، وانحراف في اتجاه يضر بالجميع سواء لسوريا نفسها أو للعرب جميعًا.
بعض ما يجري في سوريا العربية مقلق بكل ما تعنيه الكلمة من معني، فلا شك أن الجيوش التي تتم على كتف أشخاص من غير أبناء الوطن مليئة بالمخاطر، وتصل في بعضها إلى مفهوم "المرتزقة"، ويصبح الوضع أكثر خطورة عندما يكون قادة مثل هذه الجيوش من غير أبناء الوطن.
وعند ذلك ينتفي الولاء والانتماء كليًا، تصبح الجيوش محكومة بالمصلحة، والمقابل المادي، وهذا يتعارض كليًا، مع متطلبات الدفاع عن الوطن، ويفتح الباب على اتساعه لتصبح مقومات الجيوش الأساسية قائمة على ما يشبه "المرتزقة"، بل من الوارد جدا أن تصبح الجيوش موطنًا لأصحاب السوابق، والخارجين عن القانون، والأخطر أصحاب الخلفيات الإرهابية.
ومن هنا جاءت تخوفات الدول التي أعلنت تحذيرات واضحة لإدارة سوريا الحالية، خشية أن تتحول سوريا إلى موطن لجماعات التطرف من كل مكان، ولهذا أعلن مبعوثون أميركيون وفرنسيون وألمان تحذيرات للإدارة السورية الجديدة من أن تعيينهم لمن وصفوهم بـ"جهاديين أجانب" في مناصب عسكرية عليا، مصدر قلق أمني، وسيضع ذلك علامة استفهام أمام إقامة علاقات دبلوماسية، وفقا لما نقلته وكالات الأنباء عن مصادر موثوق بها.
والتحذيرات جاءت خلال مباحثات أجراها كل من المبعوث الأميركي "دانييل روبنشتاين"، و"جان نويل بارو" وزير خارجية فرنسا و"أنالينا بيربوك" وزير خارجية ألمانيا، مع أحمد الشرع "أبو محمد الجولاني" قائد الإدارة السورية الجديدة في دمشق.
وما أقلق أطرافا عديدة، ما أعلنته الإدارة السورية الجديدة بتعين 50 شخصًا، بينهم 6 مقاتلين أجانب منهم مصري، وأردني، وتركي، وصينيين، وإيجور من آسيا الوسطى، ومنح 3 منهم رتبة عميد، و3 آخرين رتبة عقيد، في مؤشر على تمكين هؤلاء من مفاصل الجيش السوري، وحسب المعلومات المعلنة، أنهم أعضاء سابقون في تنظيمات إرهابية بل بعضهم مطلوب للعدالة في دولهم، بينهم المصري علاء محمد عبد الباقي والذي تم منحه رتبة عقيد، وهو متهم في قضايا إرهابية، وعليه أحكام قضائية، ومن بين العسكريين في الجيش السوري، الأردني عبد الرحمن حسين الخطيب، وجرى منحه رتبة عميد.
وبعيدًا عن مخاطر تعيين غير سوريين في مناصب رفيعة بالجيش، وانتفاء الولاء، فإن الخطر يكمن في تبريرات الإدارة السورية الحالية بشأن تعيين مثل هؤلاء، والتي شملت، صعوبة وعدم إمكانية إعادتهم إلى أوطانهم أو إبعادهم إلى الخارج لما قد يواجهونه من اضطهاد، ومن الأفضل الاحتفاظ بهم في سوريا.
وتبرر إدارة سوريا أيضا بمنحهم مناصب رفيعة، أن هؤلاء الأشخاص ساعدوا في تخليص سوريا من نظام بشار الأسد، وبعضهم قضوا في البلاد أكثر من 10 سنوات، وأصبحوا جزءَا من المجتمع، علاوة على أنهم قدموا تضحيات للمساعدة في الإطاحة بالأسد، وسيكون لهم مكان في سوريا، بل من الوارد جدا حصولهم على الجنسية.
ولا يمكن أن نكون كعرب أخر المتخوفين من عناصر محسوبة على الإرهاب والمتطرفين في الجيش السوري، ولا يمكن أن يتم اغفال أنهم تهديد أمني رئيسي، واحتمالات تصفية الحسابات مع بلدانهم وارد، بل التخوف من قيامهم او دعمهم لأعمال إرهابية وتنفيذ هجمات في بلدانهم وعلى مصالح بلادهم في سوريا، عنصر مهم يجب وضعه في الحسبان.
كل التصريحات الرسمية من ادارة دمشق الجديدة، لم تتطرق إلى مخاطر هؤلاء - من يسمونهم بالمقاتلين - على دولهم الأصلية، والقضية تتركز في تكريمهم، وحمايتهم، وليس حماية بلادهم منهم.
وتصفية الحسابات بدأت مبكرًا، متمثلة في اعتقالات مواطنين سوريين على اعتبار أنهم من أنصار النظام السابق، وقبل أيام تم اغتيال شخصية معروفة في سوريا، وهو "مازن كنينة" على يد مسلحين متحالفين مع إدارة السورية الجديدة، و"كنينة" هو مختار "عمدة" بلدة دمر غربي دمشق، وتم إعدامه والتمثيل بجثته، دون محاكمة، وهو مؤشر على فوضى تثير تخوفات حقوقية، ويخالف كل تعهدات (الشرع)، في كل أحاديثه، بتحقيق العدالة في أي محاكمات، فما تم هو عنوان تصفيات على الهوية.
ويظل القلق له مبرراته، من بعض أقوال مسؤولي إدارة سوريا الجديدة، وعلى رأسها الشرع، والقلق أيضا من مخاطر تعيينات الجيش، وغيره، والغالب عليهم عضوية هيئة "تحرير الشام"، وبدا القلق أيضا من تصريحات ردود الفعل من قادة مسيحيي سوريا، والذي جاء على لسان بطريرك أنطاكية للروم الأرثوذكس "يوحنا العاشر"، بقوله موجهًا حديثه للشرع "أكرر أننا مددنا يدنا للعمل معكم لبناء سوريا الجديدة ولكننا ننتظر من الشرع وإدارته مد يدهم إلينا".
ومع كل التخوفات والقلق مما يجري في سوريا هو حق للجميع، يبقى أن غياب مفهوم المواطنة من أكثر الموضوعات قلقًا، والتخوف وارد أيضا من تاريخ ثقافات وأفكار الجماعات ذات الفكر الإسلامي والمسلحة منها، أنها لم تتغير في أي بلد ظهروا فيها، وسيظل الأمر قائما حتى يثبت العكس، وتصبح الأفعال على الأرض مثل الأقوال بنسخة طبق الأصل، على المديين المتوسط والطويل.
------------------------------
بقلم: محمود الحضري